إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
52010 مشاهدة
وسطية الأمة في الأنبياء

...............................................................................


ذكر أيضا توسطهم في الأنبياء والرسل؛ فذكر أن اليهود اشتهر أنهم يحاربون الأنبياء، ويقتلونهم كما في قوله تعالى: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وفي قوله تعالى: فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ وفي قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ من هم؟ هم اليهود هذه هي أفعالهم؛ حتى ذكر في التفسير؛ تفسير هذه الآية في سورة آل عمران أنهم قتلوا مرة أكثر من ثلاثمائة من الأنبياء، ومن الذين يأمرون بالقسط من الناس، وأقاموا سوق بقلهم. أي: في ذلك اليوم الذي قتلوا فيه هؤلاء الصالحين والأنبياء ما عطلوا أسواقهم؛ حتى أسواق البقول ما عطلوها، وذلك دليل على حقدهم على أولياء الله، لا شك أن هذا تطرف، أنه تغيير لشرع الله وبغض لأولياء الله ومعاداة لهم؛ حيث وصل بهم الحقد إلى أنهم يقتلونهم.
أما النصارى فقد سمعنا أنهم غلوا في أنبيائهم وأوليائهم فاتخذوهم أربابا من دون الله، وصاروا يعبدونهم من دون الله، ومثَّل بعيسى ؛ أن النصارى عبدوه وجعلوه إلها مع الله، فبعضهم يقول: هو الله: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وبعضهم جعله ابن الله: وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ وبعضهم جعله هو وأمه إلهين من دون الله؛ كما قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ يوبخ الذين قالوا ذلك؛ فتبرأ من ذلك وقال: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ فهذا نوع من الغلو، وهذا نوع من الجفاء.
فالنصارى غلوا فيه، واليهود جفوا فيه ورموا أمه بالبهتان وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وحاولوا قتله، وادعوا أنهم قتلوه: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ؛ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ شبه لهم أحد أتباعه أو غيره، فظنوا أنه هو وقتلوه وصلبوه، والله تعالى أخبر بأنه رفعه إليه: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ أنامه الله تعالى نومة، ثم رفعه إلى السماء.
فالحاصل أن هؤلاء غلوا وهؤلاء جفوا، والوسط هو الصواب، وهو أن عيسى عبد الله ورسوله لا غلو ولا جفاء قال الله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ثم قوله: كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ يبين أنه يعتريهم مثل ما يعتري البشر؛ بحاجة إلى الغذاء وبحاجة إلى التخلي، وهو دخول الخلاء؛ لأن ذلك من آثار أكل الطعام، فكيف يجعل ولدا لله تعالى؟! تعالى الله.
والحاصل أن هذا من جملة ما تفرق فيه هؤلاء، وهدى الله أهل الحق......